جمعية الأمل للتنمية إغرم أزكاغ

"التَّطوُّع والإسْتِرْزاق بِاسم الجمعيات"

    محمد أيت كبير
  
    يُعتبر العمل الجمعوي حسب ظهير الحريات العامة لسنة 1958 عملا تطوعيا يقوم به الإنسان داخل مجتمعه،والذي يهدف إلى الاهتمام بالإنسان وتكوينه لخدمة بلده،و يدخل العمل الجمعوي ضمن المؤسسات الاجتماعية والثقافية، ويشكل دعامة للمجتمع بخلق الأجواء الملائمة لتأطير الشباب لبناء مجتمع مسؤول يُساهم في التنمية والتغيير والعمل على إدماج الشباب في عملية النمو الاجتماعي وفتح المجال للإبداع وإبراز قدرات الشباب على الخلق والابتكار لجعله أداة قوية للمشاركة ويتحمل المسؤولية مدركا لدوره في المجتمع وبلورة إرادته للمشاركة في التطور والرقي وجعله مواطن محب لوطنه متشبع بقيم المواطنة.

    إنه حقل من حقول الممارسة الثقافية بشقيها النظري و الإبداعي، وميدان للممارسة التربوية، ومجال تنتعش فيه روح المسؤولية، حيث يتم الرفع بالشباب للخروج من دائرة الفكر السلطوي المتحجر في اتجاه تفكير عقلاني متحرر.

تأسيس الجمعية لإغناء السيرة الذاتية والبحث عن العلاقات الحميمية.

    يُعتبر تأسيس جمعية في بلادنا أسهل من إضرام النار في الهشيم إذ أن ظهير 15 نونبر 1958 والتعديلات المدخلة عليه ، قد خفف من الإجراءات الإدارية والرقابة القبلية في التأسيس ، مما سمح بإنشاء الآلاف من الجمعيات في المغرب، وحسب احصائيات غير رسمية فإنه توجد الآن ما بين 120 و140 ألف جمعية ومنظمة سنة 2016 تهم تقريبا بكل أوجه النشاط الاجتماعي والثقافي والفني والرياضي...، فكم من جمعية تأسست بطلب من مسؤولين محسوبين على السلطات المحلية والإقليمية والمجالس المنتخبة لخدمة أجندة وأهداف معينة. قد يكون الغرض الأساسي منها هوالتضييق على جمعية أخرى جادة بتراب تلك الجماعة من أجل محاصرتها وحرمانها من حقها المشروع في الدعم من المال العام أو اقتسامه معها.

    وكم من مفسدين باسم العمل الطوعي قاموا بتأسيس جمعية بهدف البحث عن تنمية سيرتهم الذاتية فقط .

    هؤلاء هم من تجدهم حريصين على ترؤس الجمعية و الظهور في الواجهة الأمامية ، لا لشيء سوى لإغناء السيرة الذاتية التي يحتاجونها لولوج الوظائف و مراكز المسؤولية و ما إن يصلوا إلى مبتغاهم حتى يكفروا بالعمل الجمعوي. و هناك قسم أخرمن الناس ينخرط في الجمعيات بحثا عن إقامة العلاقات الحميمية مع الجنس الآخر ، فالجمعية بالنسبة لهم فرصة للتعارف و تحقيق النزوات الكامنة في النفس، فكم هي القصص و الوقائع التي قرأناها أو سمعنا بها في هذا الباب.

   كما أصبح العديد من الأفراد يسعون من تأسيس الجمعيات لمطامح شخصية خسيسة كالسعي لتصفية حسابات شخصية ضيقة مع أعضاء جمعيات أخرى لها نفس الاهتمام،وقد يكون التأسيس ناتجا عن تعليمات جهات تتخصص في توزيع منح أو في توظيف الإطارات الثقافية لأهداف خبيثة تحت ذريعة خدمة الطفولة والشباب،فهناك العديد من الجمعيات تغلق أبوابها مع نهاية الحملة الانتخابية.

رئيس جمعية الى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

   من مظاهر انحرافات الحركة الجمعوية ببلادنا هناك أمثلة كثيرة تنتشر على امتداد وطننا الحبيب من طنجة الى الكويرة . فقد نجد  جمعية يخلد فيها الرئيس لعقود، ولا يُغادرها إلا نحو دار البقاء، وهي جمعيات لا يعرفها ولم يعرفها الرأي العام والمهتمون إلا باسم رئيس واحد منذ إحداثها، ولم يبق ينقصها إلا أن تتحول إلى أصل تجاري، علما أن قانون الجمعيات يمنع تأسيس الجمعيات لأهداف ربحية.

   كما نجد رئيس جمعية رياضية مثلا....رئيسا لجمعية للمسرح ...وأمينا للمال لجمعية المعاقين رغم انه ليس بمعاق...ونائب رئيس جمعية كذا وكذا....ومستشارا في جمعية كذا وكذا... ورئيس حزب كذا وكذا أو عضوا فيه أو رئيس جماعة....كما نجد جمعية ثقافية تُنظم مهرجانا شعريا بالرغم من أن رئيسها لم يُنظم في حياته بيتا شعريا واحدا ان لم نقل صدرا او عجوزا ...ونجد جمعية تعطي دروسا في محو الأمية بالرغم من كون رئيسها اميا بامتياز والأمثلة كثيرة ... وقد نجد اطارات جمعوية لا تعرف الممارسات الديمقراطية حيث تحولت بعض الجمعيات خاصة ذات الطابع الفني والثقافي ، إلى جمعيات شبه منغلقة غير مفتوحة في وجه المواطن المغربي ، يتحكم في تسييرها نفس الأشخاص الذين يتدبرون شؤونها بعقلية الحزب الوحيد ، إذ لاتداول على مراكز المسؤولية والرأي المخالف غير مرحب به من طرف الأعضاء ، والا تم طردهم أو إقصائهم من المسؤولية والإستغناء عنهم وحتى إن كانت لهذه الجمعيات مواقع على شبكة الأنترنيت فإنها تبقى للاستهلاك الخارجي والدعاية وغير منفتحة على باقي الفعاليات الثقافية والفنية في المجنمع المدني المغربي ، كما نجد في ذات السياق جمعيات عائلية لا تضم في هياكلها التنظيمية إلا أفراد الأسرة أو تكون أجهزتها المُسيرة عبارة عن تكتل أسري في الأجهزة المسيرة.


الإغتناء بحسب العمل التطوعي.

    تخلط الصالح بالطالح والحابل بالنابل في تمييع للمشهد الجمعوي وافراغه من مضمونه وجوهره واهدافه التطوعية النبيلة .

  بحكم تحكم وزارة الداخلية في منح الترخيص للجمعيات فقد استغلها بعضهم كوسيلة من أجل زيادة مداخيلهم إلى الحد الذي دفع البعض منهم إلى المتاجرة بتسليم وصولات الايداع ، الأدهى والأمر أن بعض المسؤولين يستغلون ضعف القدرات والمستوى التعليمي لبعض أعضاء هذه الجمعيات ،من أجل التحايل والاسترزاق على حسابهم، ويبذل هؤلاء الانتهازيون جهودا كبيرة من اجل القضاء على أي محاولة لخلق عمل جمعوي بديل وجاد. وكم من جمعية تأسست بدفع من مسؤولين بمؤسسات ومرافق حكومية لتعبيد الطريق نحو منحة أو غلاف مالي لمشروع تنشيطي أو تنموي يظل حبرا على ورق ولا يرى النور أبدا وحتى ان رأى النور فقد يوكون معطلا بسبب تداخلالت سياسية وحزبوية ولعل أكبر دليل على هذا مشاريع تنموية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية بمختلف المدن ونذكر منها مثلا دار الأمومة بأكدز بإقليم زاكورة الدار التي أنجزت وشيدت وأغلقت قبل ولادتها في نفس الوقت .اغلاق مجموعة من ملاعب القرب بعد أن شيدت كذلك ،بالإضافة الى إغلاق مجموعة من الحدائق بداعي أن المواطن لن يحافظ عليها...تعطيل مجموعة من المشاريع التنموية بعد تشييدها وتدشين أشغال بنائها ..إلخ

    قد نجد من يتاجر في مقاعد المخيمات الصيفية للأطفال وهناك من يبيع ويشتري حتى في ملفات التداريب التكوينية الخاصة بهذه المجال ، هناك من يتاجر في هموم ومآسي ذوي الاحتياجات الخاصة ، وهناك من يتاجر في قضايا التنمية والمرأة القروية ، هناك من يتاجر في مشاكل النظر والبصر عند المواطنين البسطاء ،حيث يقومون بتنظيم حملات لقياس النظر للناس وبيع النظارات لهم بأثمنة يقولون بأنها رمزية ،وهناك من يتاجر في الحملات الطبية المجانية  في عمل يبدو في ظاهره خيريا جمعويا لكنه يُخفي وراءه نشاطا تجاريا يدر على أصحابه وعلى المتواطئين معهم من مسؤولي الجمعيات المحلية أرباحا طائلة بالنظر إلى عدد  لا أقول المستفيدين  ولكن المستفاد من فقرهم وسذاجتهم وإلى عدد الجولات التي يقومون بها على امتداد شهور السنة .

    هناك من يسترزق حتى من تأسيس نادي خاص بكرة القدم النسائية في مدينته ، يشكل مكتبا مسيرا صغيرا ومحصور العدد يضم إلى جانب اسمه اسم زوجته وأخته وشقيقه وصهره ...إلخ، وبعد حصوله على وصل الإيداع القانوني أول خطوة يقوم بها هي القيام بجولة لجمع التبرعات والدعم لفريقه النسوي الجديد . وهناك من يُتاجر ويسترزق بمشارليع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والملتقيات الوطنية والتربوية والمسرحية والتظاهرات الفنية وصبحيات الأطفال ومسرح الطفل الذي لا يحمل من محتوياته الفنية ومضامينه التربوية سوى الإسم ، وما إلى ذلك من أشكال الارتزاق والنصب والاحتيال على الناس والأطفال والشباب وعلى المال العام والميزانيات والمنح التي يجب إعادة النظر في طرق صرفها لهذا الصنف من الجمعيات ورؤسائها الذين يقومون بكل شيء بمفردهمباسم العمل التطوعي .

   لقد سعت كل الجمعيات تقريبا للبحث عن شراكات لتمويل مشاريعها التنموية مع متدخلين أجانب،وقد تأتى لها ذلك وهذا من حق أي جمعية ،لكن بدأ البعض يتخذ من ملفات حساسة :"كالطفل و المعاقين وتصحر البيئة و..."بابا للتسول واغتناء أعضائها،خاصة في مجال التكاوين التي تشرف عليها جهات متعددة من الاتحاد الأوربي،بل هناك من نصب نفسه كوسيط مع جمعيات محلية لتحقيق الهدف نفسه بمبالغ مضاعفة. 

   هؤلاء المفسدين يعيثون فسادا في الأرض ولا يصلحون ،وفي هذا الحقل مستغلين نفوذهم وعلاقاتهم وتساهل السلطات العمومية والجهات الوصية مع مخالفاتهم وخروقاتهم وصمت وتواطؤ الجميع مع حماقاتهم وشطحاتهم .

أزمة العمل الجمعوي وعلاقته بالسياسة.

   أصبحت للعمل الجمعوي ببلادنا علاقة وطيدة تارة وجدلية تارة أخرى بالعمل السياسي لذلك ترتطب أزمته بأزمة العمل السياسي،فلا غرابة أن نجد عددا لا يحصى من الجمعيات والمنظمات التي تشكل أذرعا وامتدادات ثقافية وتربوية وكشفية لهيئات سياسية تستغلها وتوظفها خلال حملاتها الانتخابية ومعاركها الكبرى وبعد ذلك تدخل هذه الجمعيات في مرحلة السكون والركود والجمود وتغرق في سبات عميق في انتظار أن يطلب منها الاستيقاظ من النوم وفعل شيء ما من باب حشد الأنصار و الأصوات الانتخابية علهم يفوزون بمقاعد انتخابية، و إذا ما نجحت خطتهم و حقق مرادهم يهجرون العمل الجمعوي و يتواروا عن الأنظار كأن شيئا لم يكن. وازدادت ظاهرة تفريخ الجمعيات المرتزقة استفحالا خصوصا بعد دخول المبادرة الوطنية للتنمية البشرية حيز التنفيذ .

مِنَح الإسترزاق لِرِيعٍ جمعوي...

   تتفجر بين الفينة والأخرى في الجماعات المحلية الحضرية والقروية والمجالس الإقليمية والجهوية اتهامات متبادلة بين المستشارين والمواطنين حول عدم تمويل جمعيات وتمويل أخرى بعينها لكونها محسوبة على هذا العضو أوذاك أو الرئيس أو أقاربه وزبنائه أو متقاسمي المنافع معه. وغالبا ما تستعمل هذه الأساليب للابتزاز ونيل نصيب من "البقرة الحلوب" لكنها لا تذهب أبدا إلى حد فضح الفساد في أفق قطع دابره. وهكذا، يتمأسس هذا الريع الجمعوي مادام الجميع ينال نصيبه، وحين يتم الإخلال بهذه القاعدة تتحرك آلة الابتزاز حتى لا يتوقف صبيب الريع الجمعوي نحو الجيوب.وخلق جمعيات صفراء ومنحها صفة المنفعة العامة وإغداق المساعدات المالية عليها،في مقابل التضييق على الأنشطة المنظمة من طرف الجمعيات الجادة.

    وكان تقرير رسمي قد كشف في وقت سابق ، تقدر فيه وزارة العلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني عدد الجمعيات التي تنشط في المغرب ، تلقت 29 مليار سنتيم من التمويلات الأجنبية خلال الأشهر التسعة الأولى من سنة 2015، فيما كان دعم الدولة لها خلال سنة 2014 ما يناهز  2.2 مليار درهم ، وفق أحدث أرقام الوزارة.

أَيْنَ الخلل؟...

    إن المتتبع للعمل الجمعوي في بلدنا الحبيب يلاحظ أن أغلب الجمعيات تفتقر لرؤية وتوجه واضحي المعالم،ومحددي المقاصد،وهذا ما يفسر السيادة العفوية و البراغماتية والارتجالية في العمل،ويكرس جملة سلبيات منها: الاكتفاء بالجاهز والتقوقع في حلقة التكرار المفرغة دون تفعيل آليات الإبداع و الابتكار،وتكريس علاقة غير فعالة بين الجمعيات والفاعلين المجتمعيين.ولذلك لوحظ في الفترة الأخيرة تناسل الجمعيات في جميع مناطق بلدنا الحبيب حتى وصل صداها ومداها القرى والمداشر،محاولة أن تلعب دور الأحزاب التي ماتت موتتها الطبيعية،وهكذا صار الحقل الجمعوي المغربي يضم ألوان الطيف من الجمعيات.والواقع أنها أصبحت بعيدة كل البعد عن الأهداف النبيلة للعمل الجمعوي،.

     إن هذه السلوكات اللامسؤولة أجهزت فعلا على العمل الجمعوي و دوره الإنساني النبيل،وجعلت المصالح الضيقة هي المتحكمة في حركاته و سكناته،فحق بالتالي للشباب أن يعزف عن هذه "المقاولات البراغماتية"كما عزف من قبل عن مثيلاتها من أحزاب "التنويم المغناطيسي"،ولا أعمم فهناك العديد والحمد لله من الجمعيات الجادة، في تطبيق برنامجها التنموي والتكويني والتربيوي لكن كما أسلفت تعيش ضيقا و اختناقا من طرف المخزن وأعوانه وبعض المحسوبين والمجالس المنتخبة.

     إن هذا الواقع المزري للعمل الجمعوي بالمغرب، يفرض على كل الغيورين التشمير على ساعد الجد لرد الاعتبار لهذا الميدان الحيوي،وكنس جميع الفيروسات التي تسللت داخله وخربت جميع ملفاته. 

ليست هناك تعليقات